-->

الليلة الموعودة : إحضار ملكة الجن وبداية حكايتي

 

حكايتي مع الجن ...
قصة حقيقية... رسالة معبرة

بعد انتهائي من امتحانات الثانوية العامة وحلول العطلة الصيفية وما أدراك ما العطلة الصيفية حيث ننعم عادة بزيادة ساعات النوم والتنزه والسهر واللعب والمرح والسباحة على الشاطئ...
وفي كل عطلة صيفية يحضر الأهل إلى بيتنا بحكم أننا نسكن مع جدي إضافة إلى أننا نقيم بمدينة ساحلية وسياحية, وكان هذا الديدن يسعدني ومولعا به إلى حد الشغف حيث التقي مع ابن خالتي هشام الذي أتقاسم معه الكثير من الطباع خاصة صفة الشغب والطيش.
استيقظنا في الصباح وأخذنا وجبة الفطور مع العائلة ثم غيرنا ملابسنا بارتداء شورتات وتوجهنا نحو الشاطئ حوالي الساعة العاشرة ولم نقفل عائدين إلى البيت إلا في  الساعة الثامنة مساءا حيث أصابنا إعياء شديد وجوع اشد ثم أخذنا شاور .وبينما اختار  الأهل الخروج للتجول فضلنا نحن  اللعب بالبلاي ستيشن وبعدها اقترح علي هشام متسائلا :
ما رأيك لو أحضرنا جنا في هذه الليلة فأجبته منذ سنة و أنت تلح عليا هذا الموضوع...المهم يا حضرة الشيخ هات ما عندك ؟؟؟ خاطبته وانأ أتدثر بالغطاء _ ويا ليتني ما نطقت...ليتني صمت _ لكن الجرأة سيئة ...فطلب مني هشام الانتظار حيث قام مسرعا وغاب للحظات حيث خرج إلى البقال وعندما عاد كان بيده شمعة فأمسك ورقة وكتب فيها شيئا وأحضر سلطانية ووضعها فوق الورقة وأطفأ النور وطلب مني عدم الخوف أو التحرك من مكاني لكني قابلت نصائحه بالضحك والاستهزاء...وتساءلت إن كان يتحدث بشكل جدي.
ثم شرع في القيام بطقوسه الغريبة...وفجأة سمعت صرير الباب  لكني لم أصدق وقلت في نفسي أكيد أن الرياح فتحته أو أنني أتوهم ذلك, و شعرت بإحساس غريب حتى اقشعر بدني لكني أخفيت الأمر عن هشام حتى لا أظهر له خوفي ورعبي.


ومر الوقت وهشام ما يزال يتمتم بعبارات غير مفهومة فقمت بمحاولات عدة لفهمها وذلك من خلال الإنصات الجيد والتركيز فتوصلت إلى انه يقرأ القرآن بالمقلوب أي بشكل عكسي...وبعد لحظات رأيت السلطانية تتحرك وسمعت هشام مخاطبا: " اظهر لي أعلم أنك موجود هنا" ثم انقلبت السلطانية عن أسفلها وانطفأت الشمعة  وفي هذه اللحظة شعرت بدوران الأرض حولي وقلت إذا بقيت هنا سوف أموت لا محالة بسبب ذلك الرعب والفزع فقمت مسرعا وأنا اجري وبدأ النور يشتغل وينطفئ فأحسست وكأن شاحنة أن صدمتني وألقت بي من مكان عالي وفقدت وعيي ولم أسترجع وعيي سوى صباحا على صوت هشام الذي أتى ليوقظني ورأيت أمي جالسة قربي وعيناها محمرة من أثر البكاء فالتفت إلى هشام الذي غمزني بطرف عينه حتى لا أسأله عما جرى, وعلمت منه فيما بعد أنه أخبرهم أنه خرج ليحضر شيئا نأكله وعندما عاد وجدني مغمى علي.
فطلبت من أمي ألا تقلق بشأني لأن ما حصل لي كان فقط بسبب الجوع والإعياء, وكان هدفي هو أن تتركني رفقة هشام لكي أستفسر منه عما حصل, وبعد خروج أمي بادرته بسرعة بسؤالي:
ماذا وقع لي البارحة؟ فاصفر لونه
فسألته :
ماذا عما ألم بك؟ هل باغثك الموت؟
هيا أخربني ماذا حصل لي أمس؟
فأجابني بأن ما وقع لي غيض من فيض
فسألته : كيف؟
فأجابني بأنني عندما هربت مسرعا معناه أنك تحديت الجني الذي حضر... والآن سوف لن يفترق عنك ...وأمامك حالتان: إما أن تنتحر أو تصاب بالجنون...عندها أحسست ببرودة تجتاح كامل جسمي ولم أعد أدري ما سوف أقوله أو أقوم به ...وبعد برهة نادتني أمي لتناول الفطور وعند جلوسي حول المائدة لم أستطع تناول شيء لأني فقدت شهيتي وبقيت صامتا على غير عادتي مما أثار استغراب أهلي , ثم قمت الى الحمام وشرعت في أخذ  شاور وأغمضت عيناي فشعرت بالاسترخاء, لكني عندما أردت فتحهما لم أستطع, بل أصبت بالجمود في كل جسمي لمدة 5 دقائق ثم بدأ نور يشع في عيناي واستطعت فتحهما تدريجيا بصعوبة عندها رأيت سيدة مرتدية ثوبا أبيض  وشعرها منكوش ولها رجلي ماعز... ففقدت وعيي ولم أستفق إلا وأنار ممد على السرير في غرفتي , وسمعت أبي يطلب من أمي الاستعلام عما ألم بي لكن هشام قطع عليهما الحديث واقترح ان يقوم هو بالمهمة, فدخل علي وسألني عما حصل فأخبرته بالأمر فاستغرب متسائلا كيف حصل لي كل ذلك ولم أصب بالجنون... واعتذر مني على فعلته فقلت له أن ما وقع قد وقع المهم الآن هو إيجاد حل للخروج من هذه الورطة , أو أنني سوف أكون مضطرا لإخبار أهلي بالحقيقة , فنصحني بالتريث لمدة أسبوع ...ِ{لكن ذلك الأسبوع مر كالسواد} أول يوم منه وعندما غفوت رأيت أحلاما بل كوابيسا لم أدر هل كانت كذلك أو حقيقة ولما استفقت وجدت ملابسي الداخلية مبتلة مما أصابني بالاشمئزاز والغثيان من نفسي, فأسرعت بالدخول الى الحمام واخذ دش .


وكان برنامج عائلتي ذلك اليوم هو السفر الى مدينة مجاورة والمكوث فيها أياما, لكني أنا وهشام قررنا المكوث بالبيت حتى نحد مخرجا لوضعي, لكن قرارنا أثار دهشة إلا أننا استطعنا إقناعهم بأن لدينا برنامجا مهما معا ولا نستطيع تركه... ورحل الأهل, وبقيت مع هشام نبحث في الانترنت عن حل لكننا لم نجده, ثم تلقى هشام مكالمة من والده يطلب منه اللحاق به من أجل انجاز أمور ضرورية, فاستعد هشام للذهاب فقلت له " اذهب لا مشكلة فلدي الونس, ورافقت هشام حتى  محطة الحافلات وودعته وفي الطريق آليت الجلوس على الكورنيش وأنا مشغول البال فسهوت للحظات فأيقظني صوت شيخ كبير في العمر جالس قربي, لحيته بيضاء, وسألني عما يشغلني ويهيم بخاطري ؟ فأجبته قائلا بأني اذا رويت له حكايتي فلن يصدقني...فطلب مني سردها...فحكيت له كل شيء...عندها سمعت صوت سيدة تسألني :
ما بك يا بني وحدك تكلم نفسك ؟؟؟
فقلت : وحدي ؟؟؟ وبسرعة التفت إلى مكان جلوس الشيخ لكني لم أجده ...معناه فعلا أني كنت احدث نفسي لمدة نصف ساعة...وتساءلت : هل بدأت أصاب بالجنون؟...ثم قمت واتجهت إلى البيت...{ وهذه لم تكن سوى البداية } .
وفي الطريق قررت الذهاب إلى محل الفطائر لتناول شيء _ ومن غرائب الصدف _ سمعت حديث رجلين حول شاب مسكون بجني جربوا معه كل الحلول لكن دون جدوى, إذ أصيب في النهاية بالجنون , وعند سمعي ذلك فقدت شهيتي وعدلت عن فكرة الأكل وأخذت أعاتب نفسي وألومها على جرأتي تلك الليلة المشؤومة وتذكرت كيف كنت أقضي عطلتي عادة وأنا مستمتع بها ...وتساءلت هل ارتكبت ذنبا أستحق عليه هذا الجزاء؟...
وأخيرا وصلت الى البيت وبينما افتح الباب شممت رائحة شيء يحترق فبحث في البيت عن مصدر الرائحة لكني اكتشفت ان كل شيء طبيعي فحمدت الله على ذلك وقلت في نفسي أكيد أن ذلك مجرد تهيؤات ودخلت غرفتي وفتحت البلاي ستيشن والغريب أن شعور الونس لم يفارقني رغم وجودي وحيدا في المنزل, وحاولت إقناع نفسي مرارا أن ذلك الشعور هو مجرد وهم واستمر بي الحال على ذلك حتى غفوت وعندما استفقت وجدتني مشلولا وعندما رفعت بصري لمحت تلك الجنية التي رأيت ذلك اليوم وأنا أستحم ولو لم أكن مشلولا لكنت قفزت من النافذة ...ولم تنطق الجنية إلا أن مجرد النظر في عينيها أصابني بالاغماء وعندما استيقظت وجدت كل أطرافي لونها ازرق وجسدي به عضات وعنقي به خدوش وكانت الساعة تشير الى السادسة مساءا فقلت في نفسي كيف ان الوقت مازال مبكرا رغم أني شعرت بمرور وقت طويل.
لكن من سوء حظي أن التيار الكهربائي قد انقطع في تلك الليلة الموعودة...ومع ذلك لم أفقد صبري بل كان لدي أمل كبير بالفرج ...
ثم خرجت الى الدكان واقتنيت شمعا وجلست لكني سمعت صرير الباب فشرعت أقرأ آيات من الذكر الحكيم وبعد لحظات انطفأ الشمع وساد الظلام الدامس وشعرت بأن جسدي قد ارتفع عن الارض وحاولت الصراخ لكني عجزت عنه...
ثم سمعت صوت امرأة في أذني تقول :
أنت جريء؟ أليس كذلك؟ 
اليوم سوف تدفع الثمن 
ثم رفعت مرة ثانية وطرحت أرضا وتكرر المشهد ثلاث مرات فأصابني الاغماء, ولم أستفق إلا على صوت أذان الفجر وظللت مستيقظا حتى الساعة الثامنة عندما سمعت طرقا على الباب _في البداية رفضت فتح الباب ظنا مني أني توهمت ذلك, لكني سمعت صوت هشام يطلب مني فتح الباب وعندما فعلت رأيت علامات الاستغراب بادية على محيا هشام الذي سألني ان كنت متعاركا مع أحدهم, فأجبته بالنفي فكرر علي السؤال عن سبب الكدمات التي بوجهي, فاتجهت مسرعا نحو المرآة  وعندها رأيت وجهي يكسوه الدم وعيوني لونها أزرق, فغسلت وجهي وجلست رفقة هشام الذي نصحني بضرورة السفر الى شيخ متمرس يقطن في ضواحي المدينة.
وفي خضم حديثي مع هشام ألح علي سؤال تردد كثيرا في بالي وكان بودي سؤاله قبل الآن وهو : لماذا يمسسه الجن في تلك الليلة؟ فأجابني بأنه يحصن جسده دائما بالأذكار ...فوبخته على عدم نصحي بفعل نفس الشيء... فأجابني بأن ما حصل قد حصل, وطلب مني مرافقته نحو المحطة حيث استقلنا حافلة وكانت مدة الرحلة ساعتين مرت علي كأنها عقدين من الزمن.


واخيرا وصلنا الى القرية المقصودة التي بدا على أهلها الفقر والتهميش والجهل...أما نساؤها فكان يتعاركن باستمرار , فعل بعد كل خطوة نجد نساء منهمكات في عراك.
ثم وصلنا الى بيت عشوائي...مجرد النظر اليه يصيبك بالرعب والقشعريرة...دلفنا اليه فوجدنا به نساء كثر ينتظرن دورهن...أخذنا مقاعدنا ومرت ثلاث ساعات من الانتظار المرير ..وأتى درونا فدخلنا غرفة بها شيخ يشبه القبطان جاك سبارو وبجانبه تنانير كثيرة مشتعلة يتصاعد منها دخان كثيف .
وخاطبني قائلا : " اجلس يا أشرف"
فسألته قائلا : " كيف عرفت اسمي؟؟؟"
لكنه تجاهل سؤالي وأمرني بالجلوس والتزام الصمت لأنه يعلم حتى سبب زيارتنا له عندها شعرت بالدم تجمد في عروقي...واستغربت كيف يعلم سبب زيارتنا ...بل يعلم عنا كل شيء.
ورغم ذلك بادرته بسؤاله عما حدث لي؟ فأجابني بأننا تلك الليلة أحضرنا جنية ...لكنها ليست كأي جنية لأنها ملكة في إحدى القبائل.
فخاطبني قائلا:
أبشرك مادمت محتفظا بقواك العقلية لحد الآن فمعناه أنك مشمول برضا والديك.
فسألته قائلا : ما هو الحل ؟
فأعطاني تميمة بمقدرها إبعاد الجنية عني فقط ثلاثة أيام , خلال هذه المدة علي الذهاب إلى شيخ في غرب البلاد, وحذرني من أن الطريق اليه وعرة, لأن الملكة سترسل أعوانها إلي حتى يحولوا دون وصولي على خير إلى بيت ذلك الشيخ, كما أنه علي أخذ مبلغ 500 دولار وهي أجرة الشيخ حتى أستطيع الخروج مما أنا فيه.
المهم أخذت التميمة وشعرت بالارتياح قليلا, وفكرت أنه  لدي فقط ثلاثة أيام وخلالها علي زيارة الشيخ...
خرجنا وفي الطريق اتصلت بي أمي وسألتني عن أحوالي, وكانت لدي رغبة جامحة بأن أخبرها أني لست بخير, وعليها القدوم إلي...فلربما تجدني منتحرا أو مجنونا...احضري فأنا بحاجة ماسة اليك لكي أشم رائحتك...لكني تراجعت في آخر ثانية ولم أستطع البوح لها...فسألتها عن أحوالهم هناك...لكني صدمت بجوابها عندما أخبرتني بأنها بالها مشغول علي مما يقلق راحتها... _ انه قلب الأم _ فحاولت طمأنتها وانتهت المكالمة , ثم شرعت أفكر في طريقة الحصول على المبلغ المطلوب... وقلت : أنا أملك مبلغ  250 دولار وهو هدية نجاحي من الثانوية العامة ...وهشام بحوزته مبلغ 150 دولار ...إذن ينقصنا فقط مبلغ 100 دولار.
واخيرا وصلنا الى البيت فاتصل بي صديقي سفيان وسألني عن سبب ردي على مكالماته الهاتفية, فضربت له موعد في الغد لكي أسرد عليه كامل قصتي, وفعلا التقينا في الموعد المحدد وأصابه الاستغراب من شكل وجهي الذي تكسوه جروح ودمامل فحكيت له كل ما حصل معي وأن لدي مبلغ 400 دولار ويلزمني فقط 100 دولار, فوافق على إقراضي إياه ووعدني بزيارتي ومدي بالمال...فافترقنا وعدت الى البيت وفتحت التلفاز وبدأت أبحث بين القنوات وبالصدفة وجدت برنامجا وثائقيا موضوعه حول مس الجن وظهر ضيف يروي قصته حيث كان يلبسه جني لكن الجني لم يكن مسيطرا عليه كليا, وكانت تحدث معه أمور غريبة منها مثلا اذا وضع يده على شيء ما فإنه يشتعل به نار, ثم ظهرت ضيفة أخرى بالبرنامج حكت إصابتها بجني عاشق يحضر اليها كل ليلة ويجلس قرب قدميها, وفي الصباح تستيقظ وهي جد متعبة,وفي ليلة ينم زوجها في البيت فحضر الجني في صورة زوجها حيث اعتقدت أنه زوجها وتم اللقاء بينهما...لكني أوقفت البرنامج بمجرد دخول هشام ورأيت في يده لوازم السفر, ثم سمعت سفيان يناديني من الخارج ففتحت الباب وأخذت منه المال لكنه اقترح علي مرافقتنا إلا أني رفضت بحجة أن الطريق سيكون وعرا...لكن سفيان أصر على موقفه قائلا:" بأن الموت واحد في الدنيا". وبعد أذان العشاء قررنا التحرك وأتى سفيان ممتطيا سيارة والده وركبناها وانطلقنا, وبعد مرور ساعات أخبرني سفيان بإصابته بالتعب فقررت  السياقة مكانه بينما استرق النوم عيون صديقاي...ثم وصلت إلى محطة في الطريق لأملأ خزان السيارة بالوقود, فوجدت المكلف رجلا طاعنا في السن, فطلبت منه ملء الخزان ب 20 دولار, فأجابني :" نعم يا أشرف" فاستغربت الأمر, وسألته كيف عرف اسمي؟  فأخبرني بأنه هو نفسه الشيخ الذي كان جالسا قربي في الكورنيش, وأردف " غدا سيكون يوما طويلا...كن يقظا!!! " وقبل أن يكمل حديثه _ وبسرعة البرق _ ضغطت بكل قواي على الدركسيون وانطلقت بالسيارة وشعرت حينها وكأني في خضم أحداث فيلم " فاست آند فيورس".
ومرت ساعتان فاستفاق سفيان واستلم القيادة مكاني, لكن لم تمر سوى بضع دقائق حتى شرع الأخير يصرخ وهو يردد أنه فقد الزمام , فتملكني شعور بدنو الموت مني, وتذكرت أني لا أصلي....يا الله... كيف سألقاك؟؟؟...كيف سيكون حال والدتي خاصة أني وحيدها بين البنات؟؟؟ !!! ...كانت مجرد ثواني قصيرة مر خلالها أمامي شريط حياتي كله..ثم بدأت تزداد سرعة السيارة خاصة أنها من النوع الأوتوماتيكي حتى وصلت إلى 180 كلم عندها أغمضت عيني وبدأت أتلو الشهادة...وفجأة بدأت سرعة السيارة تنخفض, وأخبرني سفيان أن الزمام عاد منضبطا, ومن حسن حظنا أن الطريق كان خاليا و إلا لكنا في عداد الموتى, ثم رأيت لافتة الطريق فأدركت أنه لم يتبق أماننا سوى 800 كلم للوصول إلى وجهتنا.
وعند وصولنا إلى أول محطة الوقود ترجلنا وجلسنا في المقهى حيث تناولنا بعض الطعام وملئنا خزان السيارة وانطلقنا وتابعنا رحلتنا حتى بلغنا بيت الشيخ الموعود المعروف بكراماته والذي ذاع صيته في كل الأنحاء حيث يقصده كل المرضى من حذب وصوب...ولجنا المنزل وانتظرنا دورنا الذي حل بعد ست ساعات, قمت ودخلت غرفة الشيخ فشعرت بالراحة والطمأنينة, وجلست قربه فسألني عما بي فرويت له كل قصتي, وأن الشيخ الأول أخبرني أننا أحضرنا ملكة إحدى قبائل الجن ,فربت على كتفي وأخذ يتمتم بعبارات لم أفهمها, وقال لي أن الشيخ الأول صادق في كلامه, وتلك الملكة هي من أخطر أصناف الجن, ولن تفترق عني حتى تقتلني...هنا شعرت بالحزن والألم واغرورقت عيناي بالدموع والتفت إلى صديقاي اللذان رأيت في نظراتهما الشفقة والحزن, فتوجهت بكلامي للشيخ متسائلا " هل هناك حل؟"فأخبرني بأني أمام أمران : إما الشفاء أو الموت. فطلبت منه التوكل على الله وليشرع في عمله, فأنا أفضل الموت على أن أعيش حياتي بهذا العذاب, فطلب مني الاغتسال والوضوء, فقمت بالمطلوب وعدت إليه, فطلب مني الاستلقاء على ظهري ودهن بعضا من القطران على أنفي, وبدأ يقرأ على جسدي قرآنا فانتابني شعور بالراحة...ومر وقت وفقدت وعيي وبدأت أحلم ولم أدر أ كان حلما أم حقيقة ؟؟؟ ...
رأيت تلك الجنية التي أتتني في صورة فائقة الحسن والجمال وسألتني قائلة:
أحقا استطعت الاستغناء عني وفرطت في وتريد تركي والتخلي عني؟...
أليس أنت من أحضرتني والآن تريد هجري؟
فسألتها :
ماذا تريدين مني ؟
فأجابتني : أريدك أنت!!! 
ومدت يدها نحوي وطلبت مني مرافقتها, ووعدتني بتحقيق أي شيء أريده في هذه الدنيا سيكون رهن بطرفة عين, فمددت لها يدي لأن جمالها كان فتانا ومغريا فاق عرضها...وانطلقنا سويا, وفجأة تذكرت أمي و أبي وأخواتي وأحلامي التي رسمتها لحياتي ومستقبلي...كل هذا السيناريو يمر أمامي وصوت القرآن ينخفض تدريجيا حتى أني لم أعد أسمعه, ثم وصلنا إلى باب دخلت منه الملكة وبمجرد محاولتي اللحاق بها سمعت صوتا منبعثا من ذلك الباب يحذرني من الدخول :
"عد من حيث أتيت" لكن الجنية طلبت مني عدم الاكثرات له فهو يريد هلاكي, وبمجرد وضع قدمي في الباب حتى سمعت نفس الصوت ثانية لكنه كان أقوى ارتفاعا و جلجلة من السابق, وأمرني بالهروب, عندها طارت الجنية وعادت بعد لحظات لكن بصفتها الأولى وما فيها من قبح وذمامة فطلبت منها الابتعاد عني, وأخبرتها أن ما حصل  كان فقط بالخطأ ولم يكن مقصودا مني, فهددتني بأن تقبض روحي إذا رفضت مرافقتها...لكني لم أدر كيف وجدتني أقرأ القرآن بينما الجنية تحترق أمامي... ثم بدأ صوت القرآن يعود الى مسامعي وأنا أسير خلف الصوت حتى وصلت إلى مكان جد مضاء فولجته, عندها بدأت أستيقظ تدريجيا فنظرت الى صديقاي اللذان بدت عيونهما محمرة ...فتساءلت عما ألم بهما, والتفت الى الشيخ الذي بدا مصدوما وغير مصدق...فكررت عليهم سؤالي مرة أخرى, فأمرني الشيخ بالذهاب للوضوء لأن أذان العصر قد قارب وبعد نتناول طعاما, فنبهه هشام بأن المرضى مازالوا في انتظاره, فأجابه بأنه لا يعمل بعد العصر.
المهم أننا توضأنا ونبهني هشام قائلا " علينا أن نسلم لأننا كفرنا بما فعلناه  ولو بالخطأ, إضافة أننا لم نكن نصلي في الماضي" فأدينا الشهادة وقمنا بالصلاة وأنا أحس بالراحة وكأن حملا ثقيلا انزاح عن قلبي.
وبعدها قدم لنا الشيخ طعاما حيث أكلنا بنهم كبير, وكأننا انقطعنا عنه لمدة أسبوع, وعند الرحيل أعطاني الشيخ بخورا  وأوصانا بالصلاة وعند مدي إياه بالمال رفض أخذ أجرته, فشكرت لها صنيعه وجميله وودعناه, وركبنا السيارة وفي الطريق ظل فكري مشغولا بكل ما مر بي وشعرت وكأني ولدت من جديد, ولم تزغ عيني عن الطريق حيث كنت أنتظر رؤية شيء أو بالأحرى التأكد من عدم وجوده, وكنت أتفحص حيث كانت المحطة لكنها لم تكن سوى خلاء...فتأكدت حينها أنها كانت مجرد حلم _ كابوس_  ليس إلا.
ثم وصلنا إلى البيت ودلفنا أنا وهشام أم سفيان فقد ذهب إلى بيته, وبعد بضعة أيام  عاد أهلنا من السفر ولم يدروا بما حدث لي, حيث قررنا أنا وهشام كتم السر إلى الأبد , لكنهم لاحظوا التغيير الذي طرأ علينا وهو قيامنا بالصلاة والتزامنا, مما أثار إعجابهم ومباركتهم ...لذلك قررنا أنا وهشام كتم السر إلى الأبد.