-->

وحش القطرب و باهموت وطائر الرخ.. أساطير عربية لم تسمع بها من قبل

وحش القُطرُب و باهموت وطائر الرُّخ

كثير منا سمع عن أساطير عربية شهيرة مثل «السندباد البحري»، و«علي بابا والأربعين حرامي»، و«علاء الدين والمصباح السحري»، وبالإضافة لهذه الأساطير السحرية، إلا أنّ أساطير أخرى لا تقل عنها سحرًا، ربما لم يسمع عنها الكثيرون، وفي السطور التالية نتناول بعضًا منها.

أسطورة طائر الرُّخ

«وأدرك الربان الخطر المحدق بنا فصاح: أسرعوا إلى المركب قبل أن يحل بكم غضبهما ونقمتهما»

طائر الرخ طائر هائل الحجم، عظيم الجسم، يشبه مخلبه جذع الشجرة، ويقطن جزيرة تخلو من البشر تُسمى «جزيرة الرخ»، وقد ورد في حكايات «ألف ليلة وليلة» ضمن رحلات «السندباد البحري». ويحكى أن السندباد أبحر بمركبه الخاص، وبصحبته جماعة من أعيان التجار، وجرت بهم الريح أيامًا وليالي حتى رسى المركب على جزيرة كبيرة مقفرَّة، اسمها «جزيرة الرخ»، وقرروا النزول بها ليستريحوا.


ولم يكد السندباد ورفاقه يمشون فيها حتى عثروا على بيضة رُّخ كادت تفقس وقد أطل منها فرخ الرخ بمنقاره، فاندفع رفاق السندباد نحو البيضة ليكسروها وسط تحذيرات السندباد ونهيه لهم عن ذلك، ولكنهم لم ينصتوا له واستمروا في تحطيم البيضة بالفؤوس والمعاول حتى حطموها وقتلوا الفرخ، وأخذوا بعضًا من لحمه يشوونه على النار ويأكلونه.

وما كادوا ينتهون من أكلتهم المشئومة حتى أظلمَ الجو، وحجبَ عنهم ضوء الشمس طائران كبيران، كانا والديّ الفرخ، واللذان صاحا في جزع بعدما رأيا ما حلّ بفرخهما، وقررا الانتقام لما حدث له. جرى السندباد ورفاقه مُسرعين نحو المركب، وساروا به بأقصى سرعة للهرب من الطائرين الغاضبين، ولكن الطائرين لحقا بهم يحمل كل منهما في مخلبه صخرة عظيمة، ألقيا بها على المركب الذي تحطم، وهوى إلى جوف البحر بما فيه من المتاع والناس. ولحسن حظ السندباد نجا من الغرق بعد أن تعلق بلوح خشبي قريب منه، كما جاء في كتاب «رحلات السندباد البحري»، لمؤلفه كامل كيلاني.

وحش «النسناس» الأسطوري

نعلم أن النسناس نوع من القرود، إلا أن الأساطير العربية تروي عن كائن مخيف يُدعى النسناس، بنصف رأس، ونصف جسد، ويقفز قفزات عملاقة بقدم واحدة، وينقض على البشر ويقتلهم. ويروي المؤرخ العراقي جواد علي، في كتابه «المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، من الأساطير التي تروى عن أسطورة النسناس، فيحكي عن قوم اسمهم «وبار» يُروى أنهم «من ولد النسناس بن أميم بن عمليق بن يلمع بن لاوذ بن سام، كانوا في الأصل بشرًا، فجعلهم الله نسناسًا، للرجل منهم نصف رأس ونصف وجه، وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، وصاروا يرعون كما ترعى البهائم، ويقفزون قفزًا شديدًا ويعدون عدوًا منكرًا».

وتُصنف كتب اللغة النسناس من المخلوقات الأسطورية، وتصفه بأنه نصف بشر، ووردَ في معجم «تاج العروس»: «النَّسْنَاسُ… جنسٌ من الخلق، يثِب أَحدهم على رجل واحدة، كذا في الصحاح. وفي الحديث: أَن حيًّا من عاد عصوا رسولهم فمسخَهُم الله نسناسًا، لكل إِنسان منهم يد ورجل من شِقٍّ واحد ينقزون كما ينقز الطائر ويرعون كما ترعى البهائم، ويوجد في جزائر بحر الصين».

ووردَ أيضًا في الأساطير العربية قبل الإسلام، أن النسناس ذرية نتجت من تزاوج نوع من الشياطين يُدعى «الشِّق» مع البشر، ولديه القدرة على قتل البشر. وقد وصف العالم المسلم الشهير القزويني «الشق» في كتابه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» قائلًا: «هو من المتشيطنة، صورته صورة نصف آدمي، ويزعمون أن النسناس مركب من الشق ومن الآدمي، ويظهر للإنسان في أسفاره».

أسطورة وحش «القُطرُب»

أسطورة وحش القطرب من الخرافات الشعبية التي ظهرت عند العرب قديمًا قبل الإسلام، ويُروى أنه وحش يشبه الذئب، ينتمي إلى نوع من الشياطين أو الجن، ويعيش في المقابر ويأكل جثث الموتى، ويشبه القطرب أيضًا مخلوق الغول الأسطوري، ويقول إدوارد لين، مترجم كتاب ألف ليلة وليلة للإنجليزية، أن ذكر الغول يسمى بالقطرب. ووفقًا للأسطورة، فإن القطرب هو إما رجل أو امرأة يتحول إلى وحش يشبه الذئب ليلًا، ويتغذى على الجثث.

ويُطلق اسمُ القطرب عربيًا على متلازمة نفسية نادرة تدعى بالإنجليزية «الليكانثروب (lycanthropy)»، والتي يتوهم فيها المصاب أنه يتحول جسديًا إلى ذئب، ووصفها الطبيب المسلم أبو بكر محمد الرازي، في أوائل القرن العاشر، في موسوعته الطبية الكلاسيكية «الحاوي في الطب»، باعتبارها اضطرابًا في الدماغ أو ذهانًا وليس تحولًا جسديًا، ورأى الرازي ذلك نوعًا من الجنون، يُجبر الإنسان على التصرف مثل الذئب.

المخلوق الأسطوري «باهموت»

الباهموت مخلوق أسطوري ظهرَ في أساطير العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وعُرف بأنه سمكة عملاقة تسكن أعماق المحيطات، واعتقد العرب القدامى أن تلك السمكة كانت تحمل الأرض على ظهرها. وظهر باهموت في الليلة 496 من حكايات «ألف ليلة وليلة»، في صورة حوت خلق الله من تحته بحر عظيم، ومن فوقه نور، من فوقه صخرة، من فوقها ملكٌ من الملائكة يحمل الأراضي السبع على كاهله.

ووردَ في الحكاية أيضًا أن الله أعلم النبي عيسى بهذا المخلوق، فطلب عيسى من الله أن يُريه إياه، فأمر الله ملكًا من الملائكة أن يأخذ عيسى ليرى الحوت، ولما أخذ الملك عيسى إلى البحر الذي فيه الحوت، مرّ الحوت على عيسى مثل البرق، ووقع عيسى مغشيًا عليه. ولما أفاق أوحى الله إلى عيسى وقال له: «يا عيسى، هل رأيت الحوت؟ وهل علمت طوله وعرضه؟ فقال عيسى: وعزتك وجلالك يا رب ما رأيته، ولكن مرّ عليّ نور عظيم قدره مسافة ثلاثة أيام، ولم أعرف ما شأن ذلك النور».

زرقاء اليمامة

«وأبصرَ من زرقاءِ جَوٍّ لأنّني .. متى نَظَرَتْ عَينايَ ساواهما عِلي»

«أبصر من زرقاء اليمامة»، مثل يُقال عادةً ليعبّر عن قوة بصر شخصٍ ما، ويقصد أنه يُبصر أفضل من زرقاء اليمامة، فمن هي زرقاء اليمامة؟ وما قصتها؟

يحكي الشاعر الأندلسي ابن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد»، عن سيدة سكنت منطقة «اليمامة» في شبه الجزيرة العربية، في المملكة العربية السعودية حاليًا، وكانت حادة البصر لدرجة أنها تُبصر الشعرةَ البيضاء في اللبن، ويمكنها رؤية الراكب على مسافة ثلاثة أيام من السير عن المكان الذي هي فيه.


على صعيدٍ آخر يروي أبو القاسم الزمخشري في كتابه «المستقصى في أمثال العرب» أن زرقاء اليمامة من بنات لقمان بن عاد، واسمها اليمامة، وسُميت المنطقة على اسمها، وسمِّيت زرقاءُ اليمامة لأنه كان لديها عينان زرقاوان.

وتروي الأسطورة أن قوّة نظرها مكَّنتها من تحذير قومها من الغزاة قبل وقتٍ كافٍ، فكانت تراهم قبل أن يصلوا إليهم بمسافة بعيدة، الأمر الذي ساعد قومها في الاستعداد لملاقاة الأعداء، وللتغلب على حدة بصرها، قرر أعدائها الاحتيال عليها بطريقة ماكرة، حتى يتمكنوا من غزو قومها مفاجأةً، فقطعوا الأشجار وأمسكوها فوق رؤوسهم.

ولما رأت زرقاء اليمامة الشجر يتحرك من بعيد، أخبرت قومها «إني أرى الشجر قد أقبل إليكم»، فسخروا منها ولم يصدقوها، حتى فاجأهم أعداؤهم وأطبقوا عليهم يغزونهم. ومع ذلك كانت نهاية زرقاء اليمامة مأساوية، فيحكى أن العدو اجتاح مساكن قوم زرقاء، انتقامًا لمقتل رجل منهم، وقتلوا الكثيرين، وكانت زرقاء من بينهم، واقتلعوا أيضًا عينيها.