ما هي المادة المضادة ؟ .. و أين هي ؟ .. و كيف تم التعرف عليها ..؟
المادة المضادة (Antimatter)
هي
عكس المادة العادية. وبشكلٍ أكثر تحديداً، تمتلك الجسيمات دون الذرية
للمادة المضادة خواص معاكسة لتلك الموجودة في المادة العادية، وشحنة تلك
الجسيمات معاكسة لها أيضاً. نشأت المادة المضادة في نفس نشوء المادة
العادية بعد الانفجار العظيم، لكن المادة المضادة نادرة اليوم، ولا يعرف
العلماء السبب المؤكد وراء ذلك.
وللحصول على فهم أفضل للمادة المضادة، يحتاج الشخص إلى معرفة المزيد حول المادة. تتألف المادة من الذرات المبنية بشكلٍ أساسي من وحدات العناصر الكيميائية مثل الهيدروجين، والهليوم، أو الأكسجين. يتمتع كل عنصر برقم ذري محدد، فالرقم الذري للهيدروجين هو واحد، واثنان للهليوم، وهكذا...
كون الذرة معقد جداً، فهو مليء بالجسيمات الغريبة ولكلٍ منها خواص مثل اللف المغزلي (spin)، والنكهة (flavor)، التي لازال العلماء في بداية الطريق لفهمها. مع ذلك ومن منظورٍ بسيط، لدى كل الذرات جسيمات تُعرف بالإلكترونات (electrons)، والبروتونات (protons)، والنيوترونات (neutrons) بداخلها.
الجسيمات المضادة (Antiparticles)
يُوجد
في قلب كل ذرة (النواة) البروتونات (التي تمتلك شحنة كهربائية موجبة)،
والنيوترونات (الحيادية كهربائياً). تحتل الإلكترونات، ذات الشحنة
الكهربائية السالبة، مدارات حول النواة. وقد تتغير هذه المدارات بالاعتماد
على كيفية إثارة الإلكترونات.
وفقاً لناسا، ففي حالة المادة المضادة تكون الشحنة الكهربائية هي العكس تماماً بالنسبة للمادة العادية. وتسلك الإلكترونات المضادة (البوزيترونات positrons) سلوكاً مشابهاً للإلكترونات في كل شيء عدا أن شحنتها موجبة. أمّا البروتونات المضادة (Antiprotons) وكما يؤكد اسمها فهي عبارة عن بروتونات بشحنة سالبة.
تم توليد جسيمات المادة المضادة هذه، والمعروفة بالجسيمات المضادة، في مسرعات الجسيمات العملاقة وتمت دراستها أيضاً في تلك المسرعات بما في ذلك مصادم الهادرونات الكبير (LHC) الذي تُديره منظمة الأبحاث النووية الأوروبية (CERN).
وتضيف ناسا: "المادة المضادة ليست مضادة للجاذبية. وعلى الرغم من عدم إثبات ذلك تجريبياً، إلا أن النظرية الموجودة تتنبأ بأن المادة المضادة تسلك نفس سلوك المادة العادية في حقل الجاذبية".
أين هي المادة المضادة ؟
تنشأ جسيمات المادة المضادة في التصادمات عالية السرعة. وفي اللحظات الأولى من الانفجار العظيم (Big Bang)، وُجدت الطاقة فقط. ومع انخفاض درجة حرارة الكون وتوسعه، تم إنتاج كل من المادة والمادة المضادة بكميات متساوية. لكن لماذا هيمنت المادة العادية على المشهد؟ هو سؤال لا يزال العلماء يُحاولون الإجابة عنه.تقترح إحدى النظريات أنه تمَّ إنشاء كميات من المادة العادية أكبر من المادة المضادة في البداية، وبالتالي حتى بعد حصول عملية الإفناء المتبادل بين المادتين (mutual annihilation)، بقيت كمية كافية من المادة العادية لتشكيل النجوم، والمجرات، ونحن.
التنبؤ وجائزة نوبل
كان عالم الفيزياء البريطاني بول ديراك (Paul Dirac) أول من تنبأ بالمادة المضادة في العام 1928، وهو العالم الذي وصفته مجلة العلوم بأنه النظري البريطاني الأعظم بعد إسحاق نيوتن.
ووفقاً للمجلة، فقد دمج ديراك كل من معادلات اينشتاين في النسبية الخاصة -التي تقول أن الضوء هو أسرع شيء في الكون-وميكانيك الكم -الذي يصف ما يحصل في ذرة ما. وبعد ذلك، اكتشف ديراك معادلة تسمح بوجود إلكترونات بشحنات سالبة أو شحنات موجبة.
وفي البداية تردد ديراك بنشر نتائجه الابتدائية، لكنه قرر في النهاية نشرها وقال بأن كل جسيم موجود في الكون يمتلك صورة مرآتية له. وبعد ذلك، اكتشف عالم الفيزياء الأمريكي كارل أندرسون (Carl D. Anderson) البوزيترونات في العام 1932. حصل ديراك على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933، وأندرسون في عام 1936.
سفينة المادة المضادة الفضائية
عندما تتفاعل جسيمات المادة المضادة مع بعضها البعض، فإنها تقوم بإفناء بعضها وإنتاج الطاقة. قاد هذا الأمر المهندسين إلى تخيل وجود مراكب فضائية مكونة من المادة المضادة، وقد تكون أكثر فعالية في استكشاف الكون.وعلقت ناسا على الأمر بأنَّ إنتاج ميليغرام من المادة المضادة سيُكلف حوالي 100 مليار دولار. في حين تحتاج الأبحاث إلى كميات أقل من ذلك بكثير. وكتبت الوكالة: "لكي تُصبح متاحة تجارياً، يجب أن تنخفض تلك الكلفة بعامل يصل إلى 10 آلاف. كما أن توليد المادة المضادة يُكلف الكثير من الطاقة مقارنةً مع تلك التي سيتم الحصول عليها عند تفاعل المادة المضادة".
لكن ذلك لم يُوقف ناسا ومجموعات أخرى عن الاستمرار في العمل على تحسين التكنولوجيا اللازمة لجعل صناعة مراكب المادة المضادة الفضائية ممكنة. وفي عام 2012، أخبر ممثل مجموعة Tauri موقع Space أنه من الممكن استخدام المادة المضادة خلال فترة تتراوح من 40 إلى 60 سنة من الآن.
وفي عام 2010، وضعت ناسا بمساعدة مجموعة Tauri تقريراً يحمل العنوان "حدود التكنولوجيا: القدرات الهائلة في مجال استكشاف الفضاء"؛ وفصّلت ناسا في هذا التقرير كيفية عمل مركبة فضائية تعتمد على الاندماج.
يستخدم التصميم كريات الديتريوم والتريتيوم (النظيرين الثقيلين للهيدروجين، ويملك أحدهما نيوترون، في حين لدى الآخر اثنين في نواته). وبعد ذلك، سيتم استخدام حزمة من البروتونات المضادة وتوجيهها إلى الكريات، التي ستقوم بدورها بسحق طبقة من اليورانيوم الموجودة في الداخل.
بعد صدم البروتونات المضادة لليورانيوم، سيُدمر كلٌ منهما، وسينتج عن ذلك نواتج تُشعل تفاعل الاندماج النووي. وإذا ما تمَّ توجيه هذه الأخيرة بشكلٍ صحيح، فإنَّ ذلك سيؤدي إلى تحرك المركبة الفضائية.
إرسال تعليق